وزارة الصحة العراقية (الواقع والطموح) /ح2
• احسان العسكري
الرعاية الصحية الاولية بين ثقل المشافي وامكانيات الدولة
ان قوانين الرعاية الصحية الاولية والتي تندرج ضمن اطار قانون الصحة العامة تعد عندنا في العراق من اسمى وارقى القوانين وان تطبيقها بشكل كامل يجعل بلادنا في طليعة بلدان الشرق الاوسط والعالم في التطور الصحي والانماء البشري الذي يعود بالمنفعة على البلد بصورة عامة وعلى الانسان بصورة خاصة لكون الانسان هو باني البلدان ومنشيء الحضارات ومكتشف العلاج وصاحب التشخيص الدقيق للحالات الانسانية والمرضية على حد سواء لذا اذا طبقنا قانون الصحة العامة بحذافيره سنجد ان الواقع الانساني والخدمي قد تغير بسرعة فائق وبشكل ملحوظ .
وقد يسأل سائل كيف سنطبق القانون تطبيقا كاملا وسط هذا الزخم من العمل الغير مجدي وهذه الظروف السياسية والاجتماعية القاسية ؟
والاتجاه نحو التطبيق يكون ببعض الاجراءات البسيطة التي لا تكلف شيئا غير قليل من الحكمة والتروي في اتخاذ القرارات المتعلقة بالكوادر الطبية والصحية وبعض الامور الادارية عن طريق :-
• توزيع اطباء التدرج \ وهذا من اهم الامور التي يجب على الوزارة ان تراجعها سريعا لانه من الاسباب الرئيسية لافشال اي برنامج او مشروع يخص الرعاية الصحية الاولية حيث تتكدس اعداد مهولة منهم في بغداد وكربلاء وشمال العراق وتعاني محافظات الجنوب من نقص واضح قد يصل الحال احيانا في بعض الدوائر الى 60% ولا ابالغ ان قلت هو اكثر من ذلك .
• استهلاك ثلاثة ارباع الموازنة المالية المخصصة للوزارة في شراء الادوية الشحيحة والباهضة الثمن وتوسيع المشافي ووحدات الطواريء وانشاء مراكز للاسعاف الفوري (معطلة) فضلا عن ترميمات وكماليات يكون الاستغناء عنها اوجب في ظل هذه الظروف .
• التوجه الكبير نحو المستشفيات ساهم بشكل كبير بتعطيل عمل المراكز الصحية التي تعد هي البذرة الحقيقية لتجنب المستشفيات هذا الزخم
• الاعتماد على المنظمات في برامج الرعاية الصحية الاولية واعتماد نظام مكافئات بائس ونظام حسابي مقيت متعب جعل من موظف الرعاية الصحية يتثاقل عندما يكلف ببرنامج ما خصوصا اذا كان جديدا او مستحدثا او برنامج بحاجة الى اشراف طبيب في ظل نقص الاطباء في القطاعات الصحية
• تواجد بعض الشخصيات التي تعد من الشخصيات المخضرمة والتي تربت على نظام او قالب واحد ولاتؤمن بالتغيير او التطور في بعض الاقسام الفنية والتي بدأت تعرقل عمل اقسام الصحة العامة لا لشيء سوى انها لا تؤمن بالبرامج الحديثة فقط ولا نغفل وجود دماء شابة تسعى للتطور وايجاد الحلول.
• سيطرة بعض الجهات من خارج وزارة الصحة على بعض الموارد وكلنا يتذكر المعركة الضارية بين صحة ذي قار ومعامل الاوكسجين الاهلية عندما قررت الدائرة انشاء معمل للاوكسجين بعد ما ايقنت ان الاوكسجين المحلي بدا يثقل كاهلها ووجدت ان الحل بانشاء معمل تابع لها لغرض توفير مبالغ طائلة تصرف سنويا حيث اخبرني مصدر في الوزارة ان ما يقارب عشرات الملايين من الدنانير تستهلكها بعض الدوائر لمادة الاوكسجين الطبي فقط وكذلك الحال بالنسبة للمسيطرين على تصليح العجلات وموردي الاغذية والادوية للوزارة وامتداد ايديهم الى مفاصل مهمة من مفاصلها
الطموح في التغيير شيء مشروع
كيف تغير واقعا تعود عليه موظف معين لاكثر من 40 سنة ؟
ان تغيير الواقع الخدمي والصحي في المؤسسات الصحية نفسها يعود على الدولة بالمنافع التي لاتحصى ولاتعد وبما ان الانسان العراقي وخصوصا الشاب يجد الحاجة للتغيير ملحة لذا يجب استثمار هذه الطاقة المتمثلة بهذه الحاجة الملحة استثمارا صحيحا والابتعاد عن نظام تكسير المجاذيف والتخلي عن مبدأ (ربعي وربعك) اذا أن على ارض الواقع شواهد كثيرة تضرر منها الملايين وان انتفع منها البعض فلا يعد انتفاعهم انجازا لانه جاء بشكل طاريء وبعيد كل البعد عن الاسس الانسانية والقانونية الصحيحة .
• الثقافة العامة / تجارب لايمكن ان تعود بالضرر مطلقا ..كيف ؟
انت تنشيء مؤسسة صحيةً وتنفق عليها ملايين الدولارات وتجهد كاهلك وكاهل حكومتك وكاهل شعبك وتنفق من اموال دافعي الضرائب واموال النفط لتقدم خدمة متطورة للمواطن الذي يستحق هذه الخدمة كإنسان اولا وكمواطن عانا لعقود من ظلم واظطهاد وقتل ولانحتاج للشواهد هنا فالامر معروف لدى الجميع . كيف ستقدم هذه المؤسسة الخدمة اذا ملئتها بموظفين 60% منهم تجاوزت اعمارهم الخمسين سنة والتي افنو ثلثيها في معسكرات من الصفيح على الحدود الشرقية للعراق ؟ (قد يغضب البعض من هذا الكلام الا انه واقع ونعيشه كل يوم) هذا الانسان الذي يستيقض صبيحة كل يوم على اصوات المدفع وازيز الرصاص وضجيج السرف قضى من 10 – 30 سنة في الجيش الله وحده يعلم كيف افناها وما هي قدرته على التحمل ؟ كيف تاتي بهكذا شخصية وتلقيه في مؤسسة انشئت قبل اشهر وفيها كافة مستلزمات الراحة والرفاهية ؟ ترى هل يتمكن هذا الموظف من الحفاظ على هذه المؤسسة ؟ قطعا لايتمكن والجواب بسيط على الوزارة ان تفتش عما فوق اسطع بنياتها وستجد اطنانا من الاثاث المعدني والخشبي التالف الذي القي به فوق السطوح وخلف الابنية بحجة انه ليس من النوع الجيد وانه من انتاج صيني او محلي لايتمتع بالقوة اللازمة ؟ ومن جهة اخرى تجد نفس الشخصية التي تحدثنا عنها انفا حافظت على السلعة التي لديها بكل دقة وحرص وحينما تتعامل مع هذه الشخصية ستجدها شخصية مثقفة . اذن :- وضع برنامج تثقيفي مستمر لموظفي الدولة سينفعها وسيجنبها خسائر مادية بالملايين وربما خسائر بشرية نتيجة الاخطاء التي تنجم عن انعدام الجانب الثقافي للموظف . وقد يسال سائل فيقول ماذا نفعل له ؟ هل نعلمه كيف يحافظ على ممتلكات الدولة ؟ سنعاقبه اذا اخطأ !! وهل هذا هو الحل ؟ قطعا لاينفع نحن نتحدث عن انسان مدني او عسكري انتقل من مرحلة القائد الضرورة والحزب القائد وابن خالة الرفيق وابن عم الاستاذ ومسؤول منظمة الدائرة وعضو قيادة فرقة وووو الى ان تصل الى ما هو أخطر وامر (سائق سيارة في الجيش المنحل خدمت معه واعرفه اتفاجىء بانه يرتدي صدرية بيضاء ويسير خلف الطبيب في احدى الردهات ) قلت كيف حصل هذا قال (هيه تايهة انت شعليك) هل تصدقون هذا ؟ والله انه موجود وليس فردا بل المئات ممن شاكله هكذا موظف يطعم عياله من احتيال على الدولة والقانون دون رادع كيف سيتمكن من خدمة بلده ؟ اذن الثقافة ستجبره على التخلي عن هذا العمل كان تكون ثقافة دينية او اجتماعية او ادبية او تأريخية .
الثقافة في مؤسسات الرعاية الصحية الاولية
إن من الامور التي تستحق وزارة الصحة الثناء عليها هو تفعيل وحدات تعزيز الصحة ووحدات التوعية واستحداث وحدات للاعلام والعلاقات في المؤسسات التابعة لدائرة الصحة العامة لان هذه الوحدات تصب في صميم الثقافة الصحية والثقافة العامة ولعل قطاع سوق الشيوخ للرعاية الصحية الاولية اول من ادخل الشعر في احتفالاته ومناسباته وحتى في حملات التوعية الصحية لما له من تأثير قوي على الفرد الجنوبي لكون الشعر يدخل في صميم حياته وستكون النتائج مبهرة ولاضير اذا طبقت الفكرة ذاتها في المناطق التي تعتبر بعض العادات من اصولياتها ومن مقومات حياتها فمثلا في غرب العراق يتميز سكان هذه المنطقة بشيء من حب الإنتماء للقومية العربية وترى السائد هناك هو الزي العربي الذي يكاد يكون موحدا والكرم العربي كما تسيد الادب والشعر في الجنوب والمدنية في الوسط وغيرها من الامور الاجتماعية التي ان استثمرناها استثمارا صحيحا فسيكون النفع واضحا جدا ولاتكلف الدولة اي خسائر مالية اذا ما قورنت بمستوى الخسائر التي يتسبب بها قلة الوعي الثقافي لدى المواطن والموظف .
حلول سريعة تغير الواقع
• توفير سيارات حديثة لمراكز الرعاية الصحية الاولية ليتسنى لها تنفيذ برامجها
• توفير مستلزمات من مناشيء عالمية وتكليف اشخاص ذوو كفائة وخبرة لاستلامها والعمل عليها
• استثمار الطاقات الشابة وابعاد الشخصيات( المتصلبة )عن البرامج والنظم الحديثة
• ازالة الفجوة بين الطبيب والكادر الصحي عن طريق تطبيق مبدأ المساوة في الثواب والعقاب
• توسيع قسم المتابعة ليكون بمستوى مديرية عامة
• اتباع نظام حسابي اليكتروني متطور يجنب الموظف عنجهية بعض المحاسبين وعدم ثقتهم بانفسهم وبالاخرين
• تخصيص موازنة تكفي للنشاطات والفعاليات الاعلامية والتثقيفية بما يتلائم وحجم العمل والخدمة
• يحسب للوزارة انها منحت صلاحيات ادارية ومالية لمدراء القطاعات والمطلوب زيادة هذه الصلاحيات اكثر
• تقليل انفاق الاموال الطائلة على البوسترات التي تطبع بكثرة ولا تجد من يهتم لأمرها لان المواطن اعتاد على ان تحدثه وجها لوجه
• انشاء محطات تلفزيونيه او اذاعية كحد ادنى تهتم بالجانب الاعلامي والثقافي للموظف
• اعادة اطلاق المجلات التي تصدرها شعب ووحدات الاعلام والتي تصب في مورد الثقافة العامة والصحية
• عقد المؤتمرات الموسوعة ودعوة كبار الشخصيات الادبية والفنية والاعلامية لحضورها وتكليفها بأطروحات تخص الرعاية الصحية
• تكليف شخصيات لها باع في الثقافة والاعلام لهذه البرامج والابتعاد قدر الامكان عن التسميات الوظيفية التي لاتتمتع غالبا بموهبة الاديب والشاعر والمفكر اذا انها درست فقط والدراسة وحدها في هذا الجانب لاتكفي .
كل هذه الامور وان عدت موجودة على الواقع نوعا ما الا انها بحاجة لأن تكون حقيقية وواقعية اكثر .
ولن يكون الضرر موجودا بقدر المنفعة والفائدة التي سيمتد تاثيرها لعصور اذا ما اصبحت واقعا ملموسا واعتاد عليها الموظف
نلتقي في الحلقة القادمة