هناك على شرفات البحر قطعان من النّعاج الجريحة تنزف دمًا،وكأنّها تُحاكي لون البحر،لقد تعوّدَت التّأوًّه، وعيونها الشّاردة ألِفت الرّكض نحو الخلف ،هروبا مِن شتات عقولها الصّغيرة،جروحها لم تندمل،إنّها تزداد إتّســــــــــــاعا
كيف لم تُدرك بعد الذي صوّب تلك الأسهم المسمومة ؟! ولم تُحسِن رؤية بقعة الضّوء أمامها ؟!
إنّها هناك في الظّلام الحالك ترتمي بين أحضان الغفلة،الجبن والتمزّق، تسمَع أصواتا مِن صَدفات ذلك البحر العميق،أصوات الذّاكرة لذاك البحر العتيق،
لم تفهم كحال كلّ البهائم ماتلك الأصوات؟ ماتلك الأمواج؟ ماتلك الفوضى التّاريخيّة؟
إقتربت أكثر نحو البحر عساها تفهم !
غرقتْ بأرجلها الخشبيّة...كان بإمكانها أن تطفو،لكنّها غرقتْ فعُقولها لم تكُن خشبيّة إنّما كانت صلبةً كالحديد،غرقتْ ولم تفهم أنّها الآن بين أنياب القرش وعلى مشارف معدته التي لاتشبع،
صرخَتْ لم يُسمَع لها نداء...فالموج طوّقها ولون البحر الأحمر إعتقلها
أمّا هناك على الشاطيئ فقطعانٌ تترصّد لها النّجاة وأخرى تترقّب لها الوفاة
وفجأةَ! بدأت أمطار الرّحمة تهطل بغزارة،وتُعقّم البحر مِن الدّنس وتُذهِب طعم المرارة، ثمّ تركب الموج وتمتطي القرش،...
إنّه لاأسنان له !! إنّه مجرّد حمار يشرب مِن البحر الأحمر
أخذتْ الأمطار تجرفه نحو الشّاطيء حيث مداسات القطعان،إنّه الآن يُسحَق تحت أرجلها ويبكي ضعفا ويستعطفها، لكنّها هذه المرّة أدركتْ أنّها لم تعُد قطعانا ضعيفة،تركته يتلوّى جوعا، بؤسا،تحت أقدامها،
أخيـــــــرا مزّقته كلّ ممزّق وجعلت عظامه تفترِش جلده. "الكاتبة بادية شكاط من الجزائر"