خلف كواليس الطلاسم خضر خميس يعلن ثورته الحذرة
قراءة في قصيدة (اصطخاب الاناشيد) للشاعر العراقي الكبير خضر خميس
*احسان العسكري
بعد ان اصدر مجموعته الاولى (طلالسم لزوال الخفوت) والتي تأبطت روائع القصائد التي تثير في نفس كل قاريء مهتم بالابداع الكثير من التساؤلات وترسم في مخيلته العديد من فنارات الاعجاب وشيء لايستهان به من بوادر التأمل فانتقالاته من العمودي الى التفعلية ثم الى النثر وعودته القوية لها يجعله من الرموز الشعرية الكبيرة التي تستحق الوقوف عندها طويلا ولست مجاملا هنا لانه وببساطة استاذا لي علي يديه تعلمت ما عجز المعلمون عن ايصاله لي من (دهاليز) و(عقد ) اللغة ان جاز لي القول طبعا فمنذ عام 1994 وانا اعرف خضر خميس وهو على حاله كما عرفته شاعرا ومرجعا في اللغة وكثيرا ما يحتاج لخبرته من جايلنا من الادباء والشعراء .
كنت اسأله في كل فرصة لماذا لاتصدر لك ديوانا وكان يقول لي (بعد وكت) مع تجاوزه الستين عاما الا انه يعتقد ان اصدار مجموعة شعرية شيء ليس بالهين وانه يجب ان يكون شاعرا كبيرا جاهزا للإستماع ومدركا لما وصل اليه . ولست هنا بصدد الحديث عن خضر خميس ومسيرته فهذا شيء قد لا اتمكن من احتواءه لكني ذهلتُ وانا اقرا قصيدة له صباح هذا اليوم مكتوب في آخرها (عمان – الاردن – غور الاردن ) والذي قام بنشرها رجل اسمه ( عاطف ابراهيم) وعاطف هذا انسان بكل ما تحمله كلمة الانسان من معنى صديق اردني تعرفنا عليه عن طريق الانتر نت دعانا لزيارته في الاردن فلبى خضر خميس دعوته ومنعتني التزاماتي الوظيفية من تلبيتها والحديث عن هذا الرجل يحتاج لاكثر من مقال انا أكيد من كلامي .
اصطخاب الاناشيد . نشرها عاطف ابراهيم على صفحة خضر خميس في الفيس بوك .
اصطخاب الأناشيد
((تمهل ...
فأن اصطخاب المراجل ليل
وأن المرافئ قد غادرت صبحها
وأن الشموس التي بعثرت ضوءها
هادنت عربات الضجيج))
--------------------------
*اعلنت الهدنة الحذرة اعلناه خضر خميس على لسان صديقه عاطف ابراهيم فاصطخاب المراجل وعلاقته بالليل علاقة وطيدة غالبا ما يواجهها النفور الطبيعي . الا ان تغادر المرافيء صبحها ؟! هنا لعب خضر خميس لعبته الذكية كيف فعل هذا وهل ان المرافيء تقوى على المغادرة ؟ كم يعاني هذا الانسان من الم الكلام وكم يدافع عن كيانه كمبدع وسط زحام الطارئين ؟ وكيف تبعثر الشموس ضوئها انه انعتاق من التقليد والانطلاق نحو ثورة من المعاني الجديدة اعلنها الشاعر على نفسه وسيطبقا على مجتمعه الذي يرى انه يحارب الشمس
((تمهل ...
ولا تلعن الجولة البائسه
وأنت ترى طيف كل المرايا
هسيسا تنوء به نجمة عانسه))
----------------------------------
لا أدري ماذا اقول فعلا ان خضر خميس يلعن القدر فالبؤس يحيط بنا من كل جانب وكثيرا ما نقف بمواجهته ولو بالالسن وهو يحاول قتلنا عامدا مترصدا . طيف المرايا كيف رآه الشاعر ؟ وماهذا الهسيس في مخيلة نجمة عانسة وهل من نجمة عانس ؟ واين وجدها خضر خميس ؟ تساؤلات كثيرة تطرح نفسها هنا ولا أجد الا ان اقول انه ابدع في تصوير حالة الالم الذي لا ينقطع ولا سبيل للخلاص منه
(( تمهل ...
فدربك قد ساده السائرون على غصن تيه
وأحلامهم بائسه
تظل بهم حفنة الريح
مقلاة برد على ربوة من رماد
وحيث لهم ضمة غادرت حرفها
وأستوت فتحة للحروف بأيامها المائسه
وشجوآ ترى ...
حيث لحن من الماس
يعزف شوق الأنين
ويرسل صبح الكلام
على لغة من هدير الشجون
وأنغامه افق فجر حنون))
-----------------------------------
أنا غاضب فعلا ولا ادري ماذا أقول عما يجيش في صدري من حرقة وانفعال والله اني لفي ثورة من الصمت الذي لو انفجر فسيغضب الكثيرين ممن حولي لماذا يحاول البعض ارسال رسائل لنا بأننا لسنا على مايرام ؟ لمذا كل هذا الالم في نفوسنا ؟ فمثلنا والله لا يستحق الا ان يقال له انت بخير دائما ’ نتألم و نتألم وننتج الفرح ونمنحه للآخرين ولم نطالب بالتغيير يوما ولم نعلن ربيعا وان حاولنا فمن اشتروا فرحنا سيقفوف في مواجهتنا وسيحملون بوجها شى الاسلحة ’ خضر خميس هذا داهية في الشعر كم هو قريب من حزن السنين والم المنافي وحرقة العشق ’ فبيت حيرة الخطوات وانعتاق الفرح وعودته مرة اخرى لحضيض النزاعات الصورية تستنزف الصورة الشعرية هنا كل هذا الالم والغضب فلا تملك الا ان تقول الله اي ابداع هذا اللذي تمكن الشاعر من خلاله ان يحول كل هذا الغضب والالم الى لون قزحي جميل جاب بعد وابل من امطار الحيرة وانطفاء الحروف حتى اصبح الكلام بلا مغزى .
(( تمهل ...
وخذ من أقاصي الكلام
أسارير من هادنوا بالسلام
تمهل ... تمهل
فأنشودة صفقت للأنام
هي الأن أحرى بأن تنتمي لليمام))
--------------------------------
السلام : مفردة عقيمة نسمع بها ونقرأ عنها ونتجول في معانيها كل يوم وكل لحظة نلقي السلام على احدهم مع علمنا بما يجيش في صدره من غل لم يدع للسلام مكانا قريبا منه حتى فيبتسم في وجوهنا فالشاعر هنا يهادن هؤلاء في رأيي ويعلن انتماءه للسلام يتعجل حتفه عن طريق طلب المهلة من الاخرين واي تمهل سيحل مشكلة الاجيال ؟ واي نشيد سيستنهض الهمم
وما أجمل ما استخدمه خضر خميس حيث ارتقى بطريقته المعهودة وتساما عن اللغو وعن الحيرة وعن الصمت وتعلق بالجمال والحرية والروعة
ارى (من وجهة نظري المتواضعة) ان مجموعة شعرية جديدة تتجلى في هذه القصيدة وحسب اعتقادي ان (ان لصديقه الانسان) يد في الموضوع فصديق كهذا الشخص الذي لما يزل خضر خميس بضيافته هو من لون وعطر نفس خضر الخضراء اصلا وأجتث من مخيلته الصراع مع ما يحيط به من الم وجعله يرسم لوحته الثورية هذه بهذا الاسلوب الرشيق والجميل والذي يجرك في كل خطوة الى بستان من بساتين العراق التي تواجه اعتى الهجمات التي تسعى لتدميرها الا ان نخيله يقاوم ويثمر وازهاره تشق الصخور لتعبر عن رأيها بالحياة وتعلن انتماءها للجمال .
